شبكة يس
rss
rss
rss
rss
rss
القائمة الرئيسية
الوقت الان
نصوص محاضرات
الحج الحقيقي معرفة الإمام

الحج الحقيقي معرفة الإمام

الحج قصداٌ الى الله سبحانه وتعالى في مكان وزمان معينين.

ومجموع القصد الزماني والمكاني يعبر عن ماهية الحج الذي قال الله تعالى في كتابه﴿ ولِلّهِ على النّاسِ حِجّ الْبيْتِ منِ اسْتطاع إِليْهِ سبِيلًا ﴾([1]).

فالحج زيارة لله في موسم يأتي به الناس الاحجار التي امر الله تعالى ان يتطوفوا بها.

وظاهر الحج حركة الانسان العابد لله تعالى من بيته حتى يصل الى ارض الميقات فيبتدأ هناك بعقد إحرامه وقصده؛ فيخلع متعلقات الدنيا ؛ و يعود الى ابسط وضعٍ يمكنه ان يعيشه الانسان؛ فلا طيب ؛ ولا مخيط من اللباس يلبسه ؛ ولا نساء ومتعتهن ؛ ولا فخامة عيش ؛ تظلله السماء برأس مكشوف وقدمين شبه حافيتين ليس على جسمه إلا لباس يشترك الجميع بلبسه ، و تحوطه الممنوعات من كل جوانب حياته ويبتدأ الحج حينئذٍ فيقول: (لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك لبيك ) فليس له مع الله في حالاته شيء ويكرر تلبيته عندما يطوي كل مرتفعٍ وسهل حتى اذا تراءت له  جدران مكة عرف انه قد وصل الى منزل الحبيب فشغله النظر و الامل باللقاء فانقطع لسان ذكره ، فاذا بانت بيوت مكة انقطعت التلبية. ثم يأتي البيت الحرام ليطوَّف حول تلك الاحجار بتأمل وسكون ؛ وتبتدأ به قصة حجه ؛ فنجد المكان يعتري الانسان ؛ والارض تَطْبُقُ على حركة الحاج وتأخذه في مراسم الحج ؛ فينتقل من مكان الى مكان ؛ و من حجر الكعبة الى حجر الحطيم ؛ ثم يستلم بيديه الحجر الاسود يلثمه ويعطيه عهده و يأتمنه على دينه وعقيدته ليشهد له يوم يبعث من في القبور ويحصل ما في الصدور؛ فقد روي الكليني في الكافي الحديث بسند صحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله(الصادق) (عليه السلام) ( عليه السلام ) انه قال : إذا دنوت من الحجر الأسود فارفع يديك واحمد الله واثن عليه وصل على النبي ( صلى الله عليه وآله ) واسأل الله أن يتقبل منك ثم استلم الحجر  وقبله فإن لم تستطع أن تقبله فاستلمه بيدك فإن لم تستطع أن تستلمه بيدك فأشر إليه وقل : " اللهم أمانتي أديتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة ، اللهم تصديقا بكتابك وعلى سنة نبيك أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله آمنت بالله وكفرت بالجبت والطاغوت وباللات والعزى وعبادة الشيطان وعبادة كلّ ندّ يدعى من دون الله ) ([2])   .

وروي الشيخ الصدوق (ره) في كتاب (علل الشرائع) بسند موثق على الأقوى عن عبد الله بن سنان قال: بينا نحن في الطواف إذ مرَّ رجل من آل عمر، فأخذ بيده رجل فاستلم الحجر، فانتهره، وأغلظ له، وقال: له بطل حجّك؛ ان الذي تستلمه حجر لا ينفع ولا يضرّ، فقلت لأبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك، أما سمعت قول العمري لهذا الذي استلم الحجر فأصابه ما أصابه؟ فقال وما الذي قال؟

قلت: قال له يا عبد الله، بطل حجك، ثمّ إنه هو حجر لا يضرّ ولا ينفع.

فقال أبو عبد الله عليه السلام: كذب، ثمّ كذب، ثم كذب؛ إنَّ للحجر لساناً ذلقاً يوم القيامة يشهد لمن وافاه بالموافاة؛ ثم قال عليه السلام: إن الله تبارك وتعالى لمّا خلق السماوات والأرض خلق بحرين بحراً عذباً، وبحراً أجاجاً؛ فخلق تربة آدم من البحر العذب، وشنَّ عليها من البحر الأجاج.

ثمّ جَبَلَ آدم فَعَرَك عرك الأديم، فتركه ما شاء الله؛ فلمّا أراد أن ينفخ فيه الروح أقامه شبحاً فقبض قبضه من كتفه الأيمن، فخرجوا كالذر؛ فقال هؤلاء إلى الجنة.

وقبض قبضة من كتفه الأيسر، وقال هؤلاء إلى النار.

فأنطق الله تعالى أصحاب اليمين، وأصحاب اليسار؛ فقال أهل اليسار: يا ربّ لم خلقت لنا النار، ولم تبيّن لنا، ولم تبعث إلينا رسولا ؟!

فقال الله عز وجل لهم: ذلك لعلمي بما أنتم صائرون إليه، واني سأبليكم، فأمر الله تعالى النار، فأُسْعَرتْ، ثمّ قال لهم: تقحموا جميعاً في النار، فانّي أجعلها عليكم برداً وسلاماً فقالوا: يا ربّ إنما سألناك لأيّ شيء جعلتها لنا، هرباً منها، ولو أمرت أصحاب اليمين ما دخلوا.

فأمر الله عز وجل النار فأُسْعَرتْ، ثمّ قال لأصحاب اليمين: تقحموا جميعا في النار. فتقحموا جميعاً، فكانت عليهم برداً وسلاماً.

فقال لهم جميعاً ألست بربّكم؟

قال أصحاب اليمين: بلى طوعاً.

وقال أصحاب الشمال بلى كرهاً.

فأخذ منهم جميعاً ميثاقهم، وأشهدهم على أنفسهم.

قال عليه السلام: وكان الحجر في الجنة، فأخرجه الله عز وجل، فالتقم الميثاق من الخلق كلهم، فذلك قوله تعالى (وله أسْلم منْ فِي السّماواتِ والْأرْضِ طوْعًا وكرْهًا وإِليْهِ يرْجعون) ([3]).

فلما أسكن الله تعالى آدم الجنّة، وعصى، أهبط الله تعالى الحجر، فجعله في ركن بيته. وأهبط آدم على الصَّفا، فمكث ما شاء الله ثم رآه (أي رأى آدم عليه السلام الحجر في ركن البيت الحرام) فَعَرَفَهُ، وعرف ميثاقه، وذكره، فجاء إليه مسرعاً، فأكبَّ عليه، وبكى عليه أربعين صباحاً تائباً من خطيئته، ونادماً على نقضه ميثاقه. قال عليه السلام فمن أجل ذلك أمرتم أن تقولوا إذا استلمت الحجر: أمانتي أديتها، وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة يوم القيامة) ([4])  .

وروي الشيخ الصدوق ايضاً في الباب نفسه بسند موثق عن عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إنّ الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها في الميثاق ائتلف هاهنا؛ وما تناكر منها في الميثاق هو في هذا الحجر الأسود، أما والله أنّ له لعينين، وأذنين، وفماً، ولساناً ذلقاً، ولقد كان أشدّ بياضاّ من اللبن، ولكن المجرمين يستلمونه والمنافقين، فبلغ كمثل ما)([5]).

ومن الواضح ان التعابير عن عينيه وفمه ولسانه هي بحسبه وانما ذكرت منه عليه السلام بهذه الالفاظ بالاستعارة المجازية.

وهكذا ينتقل الحاج في حجّه الى جبل الصفا فيهرول في واديه بينه وبين جبل المروة وهما جبلان من حجر لونه أسود جعلها الله تعالى من شعائر الله حيث قال سبحانه (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ)([6]) .

ثم ليتم بالتقصير من شعر رأسه بدايات حجه، ثم بعد ذلك يكمله في الحج الاكبر عندما يعيد النزوع عن الدنيا وخلع مظاهرها في يوم التروية ويعود يلبس ثوبي الاحرام مرة أخرى، ويقول بصوتً عالً تقشعر منه الجلود وهو يعيش بدايات قيامته في أوليات وجوده ، ومن مكة (لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك لبيك ) ثم يرحل مع جموع الحجيج الى احجار عرفة ليحظى بالحج الأكبر كما روي الكليني بسند صحيح عن عمر بن اذينة عن الامام الصادق عليه السلام قال : و سألته عن قول الله عز وجل (الحج الأكبر ) فقال : الحج الأكبر : الوقوف بعرفة ، ورمي الجمار )([7]).

فيبقى في سيره الرباني على صعيد عرفة يوماً كاملاً تقريباً  الى ان يحين الغروب فيتحرك بعد غياب الشمس الى احجار المزدلفة وهي المشعر الحرام ويبقى هناك يلتقط حجيرات و احجارا صغاراً بعقدة الابهام يجمعها ويأخذها معه بعد شروق شمس نهاره الى منى فيأتي زاحفاً مع الجموع ، مهرولاً ، همُّه ان يصل الى شيطانه الاكبر فيقف امام جمرة الشيطان الاكبر فيضربه بحجراته التي جمعها في المشعر الحرام ويُريد ان يتخلص بكل همّه من تلك الحجارات التي امضى ليله يجمعها وقد صارت حملاً ثقيلاً عليه يريد ان يضرب بها شيطانه ليتخلص منه بها ويتخلص منها به وهو الصراع الازلي بين الذات و بين ابليس يتجلى في يوم العيد ولا ينتهي إلا بعد ان يقضي نسكه هذا فيذبح أو ينحر امتثالا لأمر الفداء الذي كان اوله ﴿وفديْناه بِذِبْحٍ عظِيمٍ﴾ ([8]) ثم تتجلى عبوديته لله تعالى عندما يحلق رأسه نسكاً هو الاخير في هذه المرحلة الاولى من مراحل الحج حيث يحل به من الاحرام فهو قد قضاه ﴿ محلِّقِين رءوسكمْ ومقصِّرِين ﴾ ([9]) ثم يعود الى مكة ومنازلها ودورها فيطوف حول احجار البيت وليتم مناسكه الباقية في تطواف الاحجار.

هل يصح ان نسمي هذه الحركة بديناميكية الحج او حركة ديالكتيك الحج، او جدلية الحج؛ حسب التعبير المعاصر الذي يحوي متناقضين بين (لبيك اللهم لبيك) و (ولا شريك لك) من جهة ؛ وبين الطواف حول الاحجار والتمسك بها وتقبيل الحجر الاسود، والركضة بين الجبلين، فأليس كل هذا  تشبث بكل حجرةٍ صغيرة او كبيرة في تلك المواقيت والمنازل ؟!

فعلى الوهابية ان يجيبوا عن هذه الإشكالية ان كان عندهم جواب لانهم لا يعرفون من الجبل إلا الحجر؛ لانهم ليس لديهم معرفة حقيقة الجبال إلا كونه حجراً ، ولا يعرفون من الكعبة إلا الاحجار التي بنيت منها ، ويرون في الحجر الاسود حجراً اسوداً لا اسعداً ، وعندما يركضون بين الصفا و المروة فهم يتعثرون بأحجاراٍ سودٍ صارت ملساءاً لكثرة ما صعد عليها الحجاج ؛ فضاعت عندهم معاني الذات الاحدية في تنزلاتها فلم يفهموا شيئاً من العروج و المعراج ولا التجلي الملكوتي التنزلي اللاهوتي فما  كان ذاك على ابراهيم الخليل الذي بنى بيتاً لله في الارض ليحج الناس اليه، وأذَّن عليه ان يأتوه﴿ مِنْ كلِّ فجٍّ عمِيقٍ﴾([10]).

بينما يقول الامامية سلمهم الله تعالى ان الحج و (الطواف بالبيت صلاة) ([11]).  

هكذا روي عن رسول الله (صل الله عليه واله)، ومن جملة هذه الروايات ما رواه الشيخ الصدوق في كتاب التوحيد، بإسناد عن عيسى بن يونس قال:

كان ابن أبي العوجاء من تلامذة الحسن البصري فانحرف عن التوحيد، فقيل له: تركت مذهب صاحبك ودخلت فيما لا أصل له ولا حقيقة، فقال: إن صاحبي كان مخلطا، كان يقول طورا بالقدر وطورا بالجبر وما أعلمه اعتقد مذهبا دام عليه، فقدم مكة تمردا وإنكارا على من يحج، وكان يكره العلماء مساءلته إياهم ومجالسته لهم لخبث لسانه وفساد ضميره.

فأتى أبا عبد الله عليه السلام ليسأله، فجلس إليه في جماعة من نظرائه.

فقال: يا أبا عبد الله إن المجالس بالأمانات ولا بد لمن كان به سعال أن يسعل أفتأذن لي في الكلام؟ فقال عليه السلام: تكلم بما شئت.

فقال: إلى كم تدوسون هذا البيدر، وتلوذون بهذا الحجر، وتعبدون هذا البيت المرفوع بالطوب والمدر، وتهرولون حوله هرولة البعير إذا نفر؟! إن من فكر في هذا وقدر علم أن هذا فعل أسسه غير حكيم ولا ذي بصر؛ فقل فإنك رأس هذا الأمر وسنامه، وأبوك أسه ونظامه.

فقال أبو عبد الله عليه السلام: إن من أضلَّه الله، وأعمى قلبه استوخم الحق فلم يستعذبه ، وصار الشيطان وليه يورده مناهل الهلكة، ثم لا يصدره ، وهذا بيت استعبد الله له خلقه ليختبر طاعتهم في إتيانه ، فحثهم على تعظيمه وزيارته ، وجعله محل أنبيائه وقبلة للمصلين له ، فهو شعبة من رضوانه وطريق يؤدي إلى غفرانه ، منصوب على استواء الكمال ومجتمع العظمة والجلال ، خلقه الله قبل دحو الأرض بألفي عام ، وأحق من أطيع فيما أمر وانتهي عما نهى عنه وزجر ، الله المنشئ للأرواح والصور .

فقال ابن أبي العوجاء: ذكرت يا أبا عبد الله فأحلت على غائب؟

فقال أبو عبد الله عليه السلام: ويلك كيف يكون غائبا من هو مع خلقه شاهد وإليهم أقرب من حبل الوريد، يسمع كلامهم، ويرى أشخاصهم، ويعلم أسرارهم؟!!

فقال ابن أبي العوجاء: فهو في كل مكان؟ أليس إذا كان في السماء كيف يكون في الأرض، وإذا كان في الأرض كيف يكون في السماء؟! فقال أبو عبد الله عليه السلام: إنما وصفت المخلوق الذي إذا انتقل عن مكان واشتغل به مكان وخلا منه مكان فلا يدري في المكان الذي صار إليه ما حدث في المكان الذي كان فيه، فأما الله العظيم الشأن الملك الديان فلا يخلو منه مكان، ولا يشتغل به مكان، ولا يكون إلى مكان أقرب منه إلى مكان، والذي بعثه بالآيات المحكمة، والبراهين الواضحة، وأيده بنصره، واختاره لتبليغ رسالته صدقنا قوله بأن ربه بعثه وكلمه.

فقام عنه ابن أبي العوجاء وقال لأصحابه: من ألقاني في بحر هذا؟!. وفي رواية محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله: من ألقاني في بحر هذا، سألتكم أن تلتمسوا لي خمرة فألقيتموني على جمرة قالوا: ما كنت في مجلسه إلا حقيرا، قال: إنه ابن من حلق رؤوس من ترون ([12]).

وقال النبي (صل الله عليه وآله) فيما روي عنه (الحج عرفة) ([13]) وسميت عرفة بـ(عرفة) لأنها محل التعريف لمنزل التعريف بمجمع حال ومحل الاعتراف كما رواه البرقي بسند صحيح عن الامام الصادق عليه السلام ان قال وهو يتحدث عن كيفية حج آدم عليه السلام وقد اخذ بيده الملك جبرئيل عليه السلام: (.. ثم مضى به الى الموقف، فقال له: اعترف، واعرف مناسكك، فلذلك سميت عرفة.)([14]).

وهي مقام (الالف و الام) للحجاج الذين يريدون ان يعرفوا انفسهم امام الله في مقام العبودية ويتعرفوا على مدارج التوحيد الإلاهي للذات الربوبية تبارك و تعالى ولا تحصل إلا لمربي و مرشد و مزكي يوصل الحاج الى بساط العبودية لله تعالى وهو النبي الذي قال الله فيه ﴿هو الّذِي بعث فِي الْأمِّيِّين رسولًا مِنْهمْ يتْلو عليْهِمْ آياتِهِ ويزكِّيهِمْ ويعلِّمهم الْكِتاب والْحِكْمة وإِنْ كانوا مِنْ قبْل لفِي ضلالٍ مبِينٍ﴾([15])  فلم تكن تلك الاحجار صامتة وإنما ناطقة مسبحة ﴿ وإِنْ مِنْ شيْءٍ إِلّا يسبِّح بِحمْدِهِ ولٰكِنْ لا تفْقهون تسْبِيحهمْ إِنّه كان حلِيمًا غفورًا﴾([16]) وانما الذي يفقه تسبح تلك الاحجار هو النبي و أهل بيته المعصومون عليهم السلام أئمة الخلق وساسة العباد.

ويبدو و الله تعالى  العالم ان هذه الاحجار تحج الى الله تعالى وتطوف نحو عرش الله سبحانه كما يطوف الانسان حولها فقد جاءت في النصوص الشريفة ان هذه الاحجار في ظاهرها انما هي معبرة عن البيت المعمور الذي يمتد في تخوم السماء ويطوف حوله كل ملك وما خلق مما يرى و مما لا يرى وقد دلت على قريب هذا المعنى جملة من الروايات الشريفة منها ما رواه الصدوق في الفقيه (انه انما سميت كعبة لأنها مربعة ، وصارت مربعة لأنها بحذاء البيت المعمور وهو مربع ، وصار البيت المعمور مربعاً لأنه بحذاء العرش وهو مربع وصار العرش مربعاً لان الكلمات التي بني عليها الإسلام اربع وهي : سبحان الله و الحمد لله ولا إله الا الله و الله اكبر ، وسمي بيت الله الحرام لأنه حرّم على المشركين ان يدخلوه ،و سمّي البيت العتيق لأنه المتق من الغرق . )([17]) .

وروي في علل الشرائع بسند صحيح عن أبي خديجة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له لم سمي البيت العتيق؟

قال: إن الله عز وجل انزل الحجر الأسود لآدم من الجنة وكان البيت درة بيضاء فرفعه الله إلى السماء وبقي أسّه فهو بحيال هذا البيت، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يرجعون إليه ابداً، فامر الله إبراهيم وإسماعيل يبنيان على القواعد. وإنما سمّي البيت العتيق لأنه أُعتق من الغرق ([18]).

وروي الشيخ العياشي في تفسيره عن الحلبي قال: سئل أبو عبد الله عليه السلام عن البيت أكان يُحَجّ قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وآله؟

قال: نعم وتصديقه في القرآن قول شعيب حين قال لموسى حيث تزوّج (علىٰ أنْ تأْجرنِي ثمانِي حِججٍ) ولم يقل ثماني سنين، وان آدم ونوحاً حجّا وسليمان ابن داود قد حجّ البيت بالجنّ والانس والطير والريح، وحجّ موسى على جمل أحمر يقول: لبيك، لبيك.

وانه كما قال الله: (إِنّ أوّل بيْتٍ وضِع لِلنّاسِ للّذِي بِبكّة مباركًا وهدًى لِلْعالمِين)  وقال: (وإِذْ يرْفع إِبْراهِيم الْقواعِد مِن الْبيْتِ وإِسْماعِيل)   وقال (أنْ طهِّرا بيْتِي لِلطّائِفِين والْعاكِفِين والرّكّعِ السّجودِ) وان الله أنزل الحجر لآدم وكان البيت ([19]).

فالطير قد حج البيت مع سليمان ابن داود .

و الجن قد حج البيت مع سليمان ابن داود.

و الريح قد حج البيت مع سليمان ابن داود .

و امام العصر و الزمان (عجل الله تعالى فرجه ) أولى ان يقود الحاج فيحج من الجن و الطير و الريح .  

 

فكل شيء يطوف حول عرشه وفي القران الكريم﴿ ويحْمِل عرْش ربِّك فوْقهمْ يوْمئِذٍ ثمانِيةٌ ﴾([20]) فالذي يحمل هم هذه الحركة الكونية وهو كائن في هذه الحركة الكونية متلبساً بأركانها وفي اركانها هَمَّ الائمة الطاهرون عليهم السلام ولذلك فهم امراء الحج.

وذلك لأمرين:

أولهما: ان حقيقة هذه المناسك وما يقصد من زيارة هذه الأحجار والأمكنة انما تتم و تتحقق بمعرفتهم ، وقد جاءت هذه الحقيقة في جملة من الاخبار منها ما رواه الشيخ الاقدم البرقي في كتابه المحاسن عن الامام الصادق عليه السلام انه قال: (من أتى الكعبة فعرف من حقنا وحرمتنا ما عرف من حقها وحرمتها، لم يخرج من مكة الا وقد غفر له ذنوبه، وكفاه الله ما أهمه من أمر دنياه وآخرته) ([21]).

وثانيهما : انه لا يحصل على فوائد هذه النسك إلا من وفق لمعرفة محمد وآل محمد عليهم السلام ؛ وجاء هذا المعنى في روايات عدّة منها ما رواه الصفار في بصائر الدرجات بإسناده عن أبي بصير قال حججت مع أبي عبد الله عليه السلام فلما كنا في الطواف قلت له: جعلت فداك يا بن رسول الله يغفر الله لهذا الخلق؟

فقال يا أبا بصير ان أكثر من ترى قردة وخنازير.

قال: قلت له أرنيهم. قال: فتكلم بكلمات، ثم امر يده على بصرى فرأيتهم قردة وخنازير؛ فهالني ذلك ثم امر يده على بصرى فرأيتهم كما كانوا في المرة الأولى ؛ ثم قال: يا أبا محمد! أنتم في الجنة تحبرون، وبين اطباق النار تطلبون فلا توجدون؛ والله لا يجتمع في النار منكم ثلاثة؛ لا والله ولا اثنان؛ لا والله ولا واحد)([22])  .

وجاء في خبر آخر شبيهاً له عن ابان الأحمر عن أبي بصير قال:

دخلت على أبى عبد الله عليه السلام فقلت له:

جعلت فداك ما فضلنا على من خالفنا ، فو الله انى لأرى الرجل منهم مَنْ هو أرخى بالا، وأنعم رياشا ، وأحسن حالا؟

قال: فسكت عنى حتى إذا كنت بالأبطح -أبطح مكة - ورأيت الناس يضجون إلى الله؛ فقال: يا أبا محمد ما أكثر الضجيج والعجيج، وأقل الحجيج.

والذي بعث محمداً (صلى الله عليه وآله) بالنبوة ،وعجل روحه إلى الجنة؛ ما يتقبل الله الا منك، ومن اشباهك خاصة، و مسح يده على وجهي، وقال يا أبا بصير! انظر.

قال فإذا أنا بالخلق كلب ،وخنزير، وحمار الا رجل بعد رجل.

ومثله ما رواه في البصائر بإسناده عن عبد الكريم - يعني ابن كثير- قال حججت مع أبي عبد الله عليه السلام فلما صرنا في بعض الطريق صعد على جبل فأشرف فنظر إلى الناس، فقال: ما أكثر الضجيج وأقل الحجيج .

فقال له داود الرقي: يا بن رسول الله صلى الله عليه وآله هل يستجيب الله دعاء هذا الجمع الذي أرى؟

قال: ويحك يا أبا سليمان ان الله لا يغفر ان يشرك به؛ الجاحد لولاية على كعابد وثن.

قال: قلت: جعلت فداك هل تعرفون محبكم ومبغضكم؟

قال: ويحك يا ابا سليمان! انه ليس من عبد يولد الا كتب بين عينيه مؤمن أو كافر. ان الرجل ليدخل إلينا بولايتنا وبالبراءة من أعدائنا، فترى مكتوبا بين عينيه مؤمن، أو كافر؛ وقال الله عز وجل (إِنّ فِي ذٰلِك لآياتٍ لِلْمتوسِّمِين) نعرف عدونا من ولينا ([23]).

وقد جرت سنة النبي (صل الله عليه و اله) والنبيين من قبله ان لا حج بلا امير فكانوا آباء النبي الذين هم جميعاً انبياء او أوصياء انبياء؛ أُمراء الحج؛ وهكذا كان الحج بأمره ولاة الأمر من بعده الذين هم الأئمة الذين نص عليهم (صل الله عليه و اله) وكان خاتمهم المهدي المنتظر (عجل الله فرجه الشريف)، وقد سُئل وكيل الامام المهدي السفير الثاني عن إمكان رؤية الامام المهدي عليه السلام في تلك الفترة وهي الغيبة الصغرى فكان جوابه ان الامام عليه السلام يأتي الناس في الموسم فيراهم ويرونه ويعرفهم ولا يعرفونه.

كما رواه الشيخ الطوسي في الغيبة قال: قال أبو جعفر ابن بابويه (يقصد الشيخ الصدوق) روي محمد بن عثمان العمري (وهو السفير الثاني للإمام المهدي عجل الله فرجه) انه قال (والله ان صاحب هذا الامر ليحضر المواسم كل سنة يرى الناس ويعرفهم، ويرونه ولا يعرفونه) ([24]).

وروي الشيخ الطوسي في كتابه الشريف الغيبة بإسناده الى عبد الله بن جعفر الحميري انه قال: سألت محمد بن عثمان رضي الله عنه فقلت له: رأيت صاحب هذا الامر؟

فقال: نعم؛ وآخر عهدي به عند بيت الله الحرام وهو يقول: اللهم أنجز لي ما وعدتني.

قال محمد بن عثمان رضي الله عنه ورأيته صلوات الله عليه متعلقا بأستار الكعبة في المستجار وهو يقول: اللهم انتقم لي من أعدائك ([25]).

و للأسف الشديد ان النص يقول (ويعرفهم ولا يعرفونه) فان عدم المعرفة الشخصية له عليه السلام مانعة من فيض نوره وموجدة للحيرة في تجليات احواله (عليه السلام) و أدت الى ان يعيش الناس متاهات في مقامات ومنازل واحوال الحج ارتضوها لأنفسهم لانهم لم يعرفوا حقيقة الحج التي هي معرفة الله تعالى ومعرفة النبي، ومعرفة الامام (عليه السلام)؛ وتاهوا وراء كثرات انفسهم، وشهواتهم، وانشغالاتهم بالدنيا و مظاهرها، فلجوا في طغيانهم و عتوهم بعيدين عن باب رحمة الله  وهو الإمام (عليه السلام)،  ولهذا فقد ورد عن الامام عليه السلام انه ما حج إلا انتم اي شيعتهم فهم الذي قد حجوا فعلاً لانهم اتموا حقيقة حجهم بالإمام عليه السلام ولذلك ورد عن الامام الباقر عليه السلام انه قال (تمام الحج لقاء الامام عليه السلام )([26])  .

وروي بسند صحيح عن زرارة عن الامام الباقر عليه السلام انه قال ( انما أُمر الناس ان يأتوا هذه الاحجار فيطوفوا بها ثم يأتونا فيخبرونا بولايتهم ويعرضوا علينا نصرتهم )([27]) .   كما روي عن الامام الصادق عليه السلام انه قال (إذا حج احدكم فليختم حجه بزيارتنا لان ذلك من تمام الحج) ([28]).

إن الملائكة لا تتنزل على احجارٍ لا تنطق ولا تتنزل على سهولٍ لا تتكلم مع الله تعالى وانما تتنزل الملائكة على قلوب الانبياء و الاولياء، وهي تتنزل في موسم الحج على مكان فيوض رحمة الله وهو قلب الامام المعصوم المهدي المنتظر (عليه السلام)، فمن حج البيت او اعتمر عليه ان يتطوف حول منزل الائمة عليهم السلام التي قال الله تعالى ﴿فِي بيوتٍ أذِن اللّه أنْ ترْفع ويذْكر فِيها اسْمه يسبِّح له فِيها بِالْغدوِّ والْآصالِ﴾([29]) فأشار الراوي الى بيت علي عليه السلام وهو يقول يا رسول الله هذه منها فقال النبي (صل الله عليه و اله) بل من افاضلها ([30])  .

انهم صلوات الله عليهم باب معرفة الله وكما جاء في الزيارة الجامعة (من اراد الله بدأ بكم ومن وحده قبل عنكم و من قصده توجه بكم )([31])   و القصد حج ، كما كان الحج هو القصد ،  فمن يحج الى الاحجار ليصل الى الله فبينها وبين الله وسيلة وامرنا ان نتخذ اليه الوسيلة وجاء في الاخبار انها هي محمد و ال محمد عليهم السلام نسأل الله تعال ان يحسن معرفتنا لتتم بمعرفتنا حجتنا و الحمد لله رب العالمين .



[1]) ) سورة آل عمران:97 .

[2]) ) الكافي ج4 ص 402

[3]) ) سورة آل عمران الآية 83.

[4]) ) علل الشرائع ج2، ص452، باب 61(علة استلام الحجر الأسود)، الحديث 6

[5]) ) علل الشرائع باب 61(علة استلام الحجر الأسود)،  ص 426 الحديث 7

[6]) ) سورة البقرة الآية 158.

[7]) ) الكافي ج 4 ص 264

[8]) ) سورة الصافات :الآية 107

[9]) ) سورة الفتح : الآية 27

[10]) ) سورة الحج: الآية 27

[11]) ) عوالي اللئالي، لابن ابي جمهور، ج1، ص 214، الفصل التاسع، الحديث 70 .

[12]) ) التوحيد للصدوق ص 253

[13]) ) عوالي اللئالي ، لابن ابي جمهور الاحسائي ، ج2، ص 93، رقم الحديث 247.

[14]) ) المحاسن ص 336، الحديث 111

[15]) ) سورة الجمعة الآية 2

[16]) ) سورة الإسراء الآية 44

[17]) ) الصدوق في الفقيه ج 2 ص 124 باب 61 (علل الحج) الحديث 2

[18]) ) علل الشرائع -ج 2 -ص 398

[19]) ) الشيخ العياشي في تفسيره ج1 ص 60

[20]) ) سورة الحاقة الآية 17

[21]) ) المحاسن ص 69 بتحقيق السيد جلال الدين الحسيني المشتهر بالمحدث، وفي: ج1، ص 145-146، تحقيق السيد مهدي الرجائي.

[22]) ) بصائر الدرجات ، ص 270

[23]) ) البصائر في ج7 ص 358 باب 17 الحديث 15

[24]) )  الغيبة للشيخ الطوسي ص 363

[25]) ) المصدر السابق .

[26]) ) (علل الشرائع ، الصدوق ، ص 459 باب 221 ، الحديث 2)

[27]) ) (علل الشرائع ، ص 459 ، الباب 221 ، الحديث 4)

[28]) ) (علل الشرائع ، ص 459 ، الباب 221 ، الحديث1 )

[29]) ) سورة النور الآية 36

[30]) ) مجمع البيان / الطبرسي ، ج7 ، ص 253.

[31]) ) من لا يحضره الفقيه ، ج2، ص615. 


نشرت بتاريخ: 01-10-2016 | مجموع القراءات: 373

[ رجوع | الصفحة الرئيسية | أعلى ]
التاريخ
مجلس الحسين عليه السلام في هيئة عاشوراء الليلة الثالثة 2016-11-01
مجلس الحسين عليه السلام في هيئة عاشوراء الليلة الثانية 2016-11-01
مجلس الحسين عليه السلام في هيئة عاشوراء الليلة الاولى 2016-10-30
مقتل فاطمة الزهراء (عليها السلام) 2016-09-14
مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عليه السلام) 2016-09-14
وحدة الخطاب (4) 2016-04-23
وحدة الخطاب (3) 2016-04-23
وحدة الخطاب (2) 2016-04-23
وحدة الخطاب (1) 2016-04-23
النجم الثاقب في أحوال الامام الحجة الغائب 2016-03-31
الحيرة في عصر الغيبة الصغرى 2016-03-29
الحيرة في عصر الغيبة الكبرى 2016-03-29
تاريخ أخر تحديث الموقع:- [ 2016-11-01 ]
Share

 

صفحة جديدة 1