شبكة يس
rss
rss
rss
rss
rss
القائمة الرئيسية
الوقت الان
نصوص محاضرات
تجلي الولاية في اخر الزمان

بسم الله الرحمن الرحيم

تجلي الولاية في اخر الزمان

من المفاهيم الشيعية التي لم تأخذ حيزها في تعريفها نظرياً ولكنها يعيشها الشيعة في صميمهم هو مفهوم تجلي الولاية في اخر الزمان الذي ذكرته الروايات الشريفة بأساليب بيانية متنوعة من جملتها أيام الله الثلاث. وكأنما احدى تلك الايام الثلاث (يوم القائم) وفي بعض الروايات يوم الرجعة واليوم الاخر (يوم القيامة) ([1]).

ونحن لو قرأنا في القران الكريم لوجدنا ان هذه الايام ذكرت في مواطن عدة في القران ومن جملة تلك المواطن قوله تعالى ﴿ وتِلْك الْأيّام نداوِلها بيْن النّاسِ ﴾ ([2]) وربما فسر بعض المفسرين الايام بالأيام التي تمر على الناس سواء كانت هذه الايام هي حركة الزمان المكونة للأيام ، او سواء كانت الايام الحركات التاريخية التي يمر بها الناس ؛ لست الان بصدد شرح هذه القضايا مع انني اقول بصراحة ان الآيات ربما تكون شاملة لهاتين الظاهرتين الطبيعيتين التكوينيتين الكونيتين ولكن حاشية مما لا اشكال فيه وكما ورد في النص الشريف : ان الايام المقصودة هي الايام التي ذكرت في الروايات والتي ذكرت منها القيامة ، و كذلك فقد ذكرت منها يوم قيام القائم (عجل الله فرجه الشريف)؛  وانا اقول ايضاً ان كلمة القائم و القيامة وكما شرحنا سابقاُ بانَّ هذا الاشتقاق لم يكن عفوياً و كان نشأ من تقرابٍ لغويٍ ، بل العكس من هذا تماماً فان هذا الاشتقاق يدخل في ضمن مفهوم (القائم) و (القيامة) ، ويربط بينهما وحدة مفهومٍ فلسفي فكري ، وقد تحدثنا سابقاً عن هذا الموضوع .

نعم هناك تشابه ذكره مفكروا المذهب الاسماعيلي فألف الدكتور مصطفى غالب (الامامة وقائم القيامة). وقارن بيد عقيدة الشيعة الامامية الاثنى عشرية وبين رأي فلاسفة الإسماعيلية ولا نخوض بأكثر من هذه الإشارة.

ولنرجع الى أصل البحث وهو ان الآية الكريمة قد الفتت الى ان الرجعة، (والمقصود من الرجعة هنا هو رجوع الامام عليه السلام وظهوره في يومه الموعود) او ظهور المهدي القائم عجل الله فرجه الشريف انما هما من اظهر تجليات ايام الله.

ولو اخذنا هذا الكلام وراجعنا وتأملنا في تفسير الآية الكريمة﴿ ثمّ لتسْألنّ يوْمئِذٍ عنِ النّعِيمِ﴾([3]) فإننا نجد كلمة (اليوم) فيها مقصوداً بنفسه لأنه يوم التجلي للحقيقة، فيستطيع الانسان كما هو حال الانسان الكامل ان يرى الأشياء كما هي في ذلك اليوم في أعلى تجليات الظهور الحقيقي المخصوص بذلك اليوم، والمشهد عليه بإضافة حروف زائدة في صيغة اليوم ويبدله تعالى بكلمة الشد وهي (يومئذٍ) وهو اليوم الذي اشير فيه الى يوم القيامة؛ وقد قلنا: ان هذا اليوم هو: يوم تجلي قهارية الله سبحانه وتعالى. و يظهر تجلي قهارية الله بتجلي ولايته ؛ المتجلية بولاية محمد وال محمد وهذا بحثٌ شرحناه سابقاً ، لذلك وجدنا في كلمة (يومئذٍ) انه قد اضيف له (إذٍ) في هذه الآية الكريمة كما وجدنا فيه إلفاتات كثيرة وتأكيدات كثيرة من جملتها ان الآية استخدمت لفظة (ثم) و(ثم) من ادوات الإلفات البلاغية التي استخدمها القران لـ لام التأكيدية ، وهو إلفات أيضاً ، والتأكيد الفات (لنسألنهم) وهذه المسألة هي أيضاً نفس السؤال ؛ وهو الفات كما ان هناك الفات اخر وهو (يوم) وجعله غير واضح المقصود ،  ولكنه وضحه (بإذٍ) و انما يظهر كل هذه الإلفاتات (بإذٍ) من (يومئذٍ) .

والمقصود من هذا الكلام ان الاية مع إلفاتاتها الكثيرة انما جمّعت الى (يوم)، و (اليوم) هنا هو يوم القيامة حيث المسألة تفترق عن يوم المهدي (عجل الله فرجه الشريف).

فيوم المهدي لا يسأل عن الولاية وانما يوم تجلي الولاية التي سوف يسألون عنها. اعطك مثال: انت طالب مدرسة مثلاً فمتى تسأل من قبل المدرسين والمسئولين في المدرسة؟ والجواب: بعدما تدرس؛ وتتعلم فحينئذٍ حضورك في المدرسة يكون هو المقدمة الى السؤال.

وانت تُمْتَحَن في نفس مكان حضور الدرس، والذي يمتحنك هو نفس الذي اعطاك الدرس.

فهنا مرحلتان المرحلة الأولى: وهي تجلي الدرس لك. والمرحلة الثانية هي سؤلك عن الدرس.

وقد عبر القران الكريم باسم الجنس؛ لان كلمة يوم هي اسم جنس تشمل يوم المهدي ويوم القيامة؛ والفرق بينهما ان يوم المهدي يوم تجلي الولاية، ويوم القيامة هو يوم السؤال عن الولاية بعد ان تَجلَّت بأعلى مظاهرها. ونلفتكم الان الى شيء من تجلي الولاية المهدوية.

في يوم المهدي تتجلّى مظاهر وأثار ولايته (صلوات الله وسلامه عليه) ويمكننا ان نقارن بين دولته وبين دولة سليمان كما فعلنا في فصل (دولة الامام المهدي عجل الله فرجه الشريف) في كتابنا (أضواء على دولة الامام المهدي عجل الله فرجه الشريف) ص 72، حيث قلنا هناك: (... وارى أفضل مثال للدولة العادلة هي التي حدثنا عنها القران الكريم بدولة نبي الله سليمان ابن نبي الله داوود (عليهما السلام) حيث آتاهما الله الحكمة تعالى الحكم وفصل الخطاب.

ونجد ان العدل لم يعمّ إنسان تلك الدولة وحده، وانما شمل المخلوقات الأخرى التي عاشت فيها مثل الجنّ والحيوانات.

كما وجدنا أنَّ الايمان بالملك النبي قد وصل الى قلب النمل وعقولهم، إن كان للنمل قلب وعقل.

فيقول تعالى : ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15) وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16) وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19) ﴾ ([4])  .

ثم رحنا نوضح آثار تجلي الولاية في دولة نبي الله تعالى سليمان عليه السلام ومشكلة مراوحتها في آفاقها المحدودة بالمكان والزمان والجماعة. بينما لا حضنا تغير تلك الآفاق المكانية والزمانية والجماعية الى الاوسع والأرحب في دولة الامام المهدي (عجل الله فرجه الشريف).  

وربما زدنا شيئاً بسيطاً في هذا المجال من باب تجلي ولايته (صلوات الله وسلامه عليه) ولكن هذه المظاهر ومهما كانت من البهاء والعظمة والجلال فإنما هي اثار لتجليات الولاية ولا تشكل جزءاً من حقيقة الولاية كما وجدنا الروايات الشيعية والروايات السنية قد اكدت على اثار التجلي لتلك الولاية المهدوية ولم تؤكد على حقيقة التجلي.

وهنا يظهر الفرق جلياً بين اثار التجلي وبين حقيقة التجلي.

وهذا شيء واضح حيث ان المؤثر غير الاثر؛ وعندما سئل الإعرابي عن رؤيته ومعرفته بالله؛ فقال: الاثر يدل عن وجود المؤثر في كل الأشياء؛ والبعرة تدل على البعير واثار الأقدام تدل على المسير، أفسماء ذات ابراج، وارض ذات فجاج افلا يدلان على السميع الخبير.

هنا أثر ومؤثر؛ ويعني هذا انه لابد من ان نفرق بين تجليات الولاية وبين اثار الولاية.

ثم ان الذي هو موجود في الكتب و في الروايات انما هو حديث عن الأثر، وما تؤثره الولاية في الحياة الدنيا حيث تتغير الدنيا و تكون بخير فيأكل الناس في يوم دولته عليه السلام من فوقهم ومن تحت ارجلهم ويظهر الذهب و المعادن وتكون على وجه الارض ولا نحتاج الى آلات تخرجها وسوف تكون الارض كلها خضراء منعمة بخيراتها ، وتمتلأ الدنيا بالأمن و الامان وتزول العاهات والامراض ، وتنحل مشكلة المياه فتكون متوفرة بشكلٍ مفارق للعادة فيكون متوفراً في كل مكان، وتتحول المياه الى مياه حلوة ، و تعطي السماء دائما خيراتها و الى اخره من اثار دولته عليه السلام.

ومع كل هذه الخيرات و الكرامات التي تظهر في دولته المقدسة وانما هي من اثار ولايته وليست هي تجليات حقيقة ؛ الولاية وللأسف الشديد فإننا مازلنا نبحث عن الاثر ولا نبحث عن المؤثر، ولذلك لا نرى إلا الاثار، ولا نسمع إلا عن الاثار، واما المؤثرات فللأسف الشديد قلما نتحدث عنها ؛ بينما تلزمنا الحقيقة في طريق معرفتها عن نفتش عن الأصل (الأساس)، الذي يظهر وان نحصل على قمة ظهوره وهو تجليه (صلوات الله عليه) ، ونرى انفسنا بتجلي ظهوره الذي امرنا القرآن الكريم بالسير الأنفسي لمعرفة النفس كما في الآية الكريمة ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾ ([5])  ولكن غالباً ما نتحدث عن الجانب الاثري وليس المؤثري لمعرفة الحقيقة ولنضرب مثالاً على توضيح هذه المسألة هو اننا اذا اردنا  ان نصور اي شيء فإننا نصوره بنوره لا بذاته وكنهه وحقيقته ، وانما بواسطة النور المنعكس منه ، وحتى انني عندما اتحدث  غالباً ، انما اتحدث عنه بالأثر المنسوب اليه (صوات الله عليه) واستعين بالرواية الشريفة و الآية الشريفة التي تقول ﴿وأشْرقتِ الْأرْض بِنورِ ربِّها ﴾ ([6])  .

فقد روى الشيخ الطبري الشيعي (من اعلام القرن الرابع الهجري) في كتابه (دلائل الامامة) بإسناده عن المفضل بن عمر الجعفي، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربها، واستغنى العباد عن ضوء الشمس، وصار الليل والنهار واحدا، وذهبت الظلمة، وعاش الرجل في زمانه ألف سنة، يولد له في كل سنة غلام، لا يولد له جارية، يكسوه الثوب فيطول عليه كلما طال، ويتلون عليه أي لون شاء) ([7]).

ورواه الشيخ المفيد في كتابه الارشاد بتغيير طفيف قال وروى المفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إن قائمنا إذا قام أشرف الأرض بنور ربها، واستغنى الناس عن ضوء الشمس، وذهبت الظلمة، ويعمر الرجل في ملكه حتى يولد له ألف ذكر لا يولد فيهم أنثى، وتظهر الأرض كنوزها حتى يراها الناس على وجهها، ويطلب الرجل منكم من يصله بماله ويأخذ منه زكاته فلا. يجد أحدا يقبل منه ذلك، استغنى الناس بما زرقهم الله من فضله) ([8]).

ورواه الشيخ الطوسي في الغيبة بإسناده الى مفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربها، واستغنى الناس ويعمر الرجل في ملكه حتى يولد له ألف ذكر لا يولد فيهم أنثى، ويبني في ظهر الكوفة مسجدا له ألف باب، وتتصل بيوت الكوفة بنهر كربلاء وبالحيرة، حتى يخرج الرجل يوم الجمعة على بغلة سفواء يريد الجمعة فلا يدركها) ([9]).

ورواه الشيخ علي بن إبراهيم القمي (من شيوخ ثقة الإسلام الكليني صاحب الكافي) في تفسيره الشريف بإسناده الى المفضل بن عمر انه سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول في قوله﴿ وأشْرقتِ الْأرْض بِنورِ ربِّها ﴾؛ قال: ربّ الأرض؛ يعني إمام الأرض.

فقلت: فاذا خرج يكون ماذا؟

قال: اذن يستغني الناس عن ضوء الشمس، ونور القمر، ويجتزون بنور الامام)([10]). وقال شيخنا الآية العظمى الشيخ الوحيد الخراساني (دامت بركاته) في مقدمة منهاجه وهو يتحدث عن مقامات معرفة المولى (عجل الله فرجه الشريف) : (ورد في الدعاء له في ليلة ميلاده : ( اللهم بحق ليلتنا هذه ومولودها ، وحجتك وموعودها ، التي قرنت إلى فضلها فضلك ، فتمت كلمتك صدقا وعدلا ، لا مبدل لكلماتك ولا معقب لآياتك ، ونورك المتألق ، وضياؤك المشرق ، والعلم النور في طخياء الديجور ، الغائب المستور ، جل مولده ، وكرم محتده ، والملائكة شهده ، والله ناصره ومؤيده إذا آن ميعاده ، والملائكة إمداده ، سيف الله الذي لا ينبو ، ونوره الذي لا يخبو ، وذو الحلم الذي لا يصبو . . . ) . (وهو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا) وفي وجوده (عليه السلام) جمع الشمس والقمر، وشتان ما بين شمس سماء الدنيا وقمرها وشمس سماء الملأ الأعلى وقمرها. والفارق بينهما أن الشمس والقمر ضياء ونور، ولكن المهدى نور الله المتألق وضياء الله المشرق، وظهوره تأويل قوله تعالى ﴿ وأشْرقتِ الْأرْض بِنورِ ربِّها ﴾فإذا كان البصر منقطعا عن إحساس جرم الشمس التي جعلها الله ضياء، فكيف لا تكون البصيرة منقطعة عن إدراك حقيقة الشمس المضيئة بضياء الله) ([11]).

فتقول الرواية إذا ظهر المهدي استغنى الناس عن ضوء الشمس والقمر بنور الامام (صلوات الله عليه) هذا في الواقع من الأثر وليس من المؤثر فهو حديث عن الاثر وليس حديث عن المؤثر، لان المؤثر شيئٌ اخر ما لا عين رأت ولا اذن سمعت به، ولا خطر على بال بشر لان المؤثر هو المهدي.

ان الانسان عندما يرى الولاية فهو يرى شيئاً اخر من عالم اخر غير العالم الذي مارسناه وعشناه ولذلك فان الولاية ليست هي من عالم الدنيا وانما الولاية من عالم الاخرة.

وحتى ان التجلي الأعظم للولاية في دولته لم يكن هو تجليها الحقيقي، وانما سوف يكون التجلي الحقيقي للولاية في الاخرة فقط تكون في اعلى مستوياتها، واما في الدنيا فسوف يكون التجلي للولاية في الإمام المهدي (عليه السلام) خاتم الاوصياء ونهاية الأدوار التنزلية.

وانت تلاحظ انه حتى في حياة الائمة عليهم السلام لم تتجلى الولاية بالتجلي الاعظم وانما تجلت بنسب مختلفة شاءت ارادة الله ان تكون بها؛ فأمير المؤمنين (عليه السلام) مع ان ولايته هي الولاية العظمى، وهي أعظم ولاية للائمة (عليهم السلام) ولكنها لم تتجلى ذلك التجلي الذي جعلها في مقام السلطنة الكلية ولهذا وجدنا علي بن ابي طالب (عليه السلام) يخالفه أرذل الارذلين، ويحاربه أرذل الارذلين، ولا يعرف قدره حتى الذين يقاتلون تحت لوائه، فيخرج على ارادته الخوارج.

وهكذا نجد الامام الحسن المجتبى (عليه السلام) حيث نجده يلتجئ من جنده وجيشه ويحتمي بوالي المدائن؛ يا سبحان الله!

والحسين يقتل في كربلاء وحيداً في ظلامة بكى لها سكان العرش وحملته كما روى الشيخ الكليني (ره) في الكافي الشريف بإسناده عن محمد بن حمران قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (لما كان من أمر الحسين عليه السلام ما كان، ضجت الملائكة إلى الله بالبكاء وقالت: يفعل هذا بالحسين صفيك وابن نبيك؟ قال: فأقام الله لهم ظل القائم عليه السلام وقال: بهذا أنتقم لهذا) ([12]).

وهكذا باقي الائمة لماذا؟  لان المخلوقين لم يعرفوا الولاية؛  اما المهدي فتتجلى ولايته فيعرفها الكل حتى السفياني؛ ولذلك فسوف تطير معه (صلوات الله عليه) الطيور و تمشي معه الحيوانات في ضمن ركابه وهذه من مظاهر الولاية ، فان الولاية عندما تتجلي فان جميع الاشياء سوف تعود اليه حتى ان الحجر يكون تحت ولايته كما جاء في الرواية العامية ان الحجر يقول ان خلفي يهودي فاقتله وبغض النظر عن صحة مثل هذه الروايات ولكن من المعلوم والمقطوع به انه حتى الحجر سوف ينطق و يشهد بولايته (صلوات الله عليه) ولا نستغرب هذا فان مثل هذه الاشياء حدثت من قبل. لماذا سوف تكون؟ فالجواب: لان ارادة الله كانت في ان تكون تجلي الولاية في اخر الزمان وليست في باقي الأزمنة المتقدمة عليه، وإنها سوف تظهر بالمهدي (صوات الله عليه) وهذه هي الولاية وتجليها.

ولكن ليس معنى اننا استطعنا ان نتلكم عن ماهية وكنه وحقيقة الولاية ابداً، فإننا ومهما تكلمنا عن الولاية وتجلي الولاية فإنما نتحدث عن اثار الولاية لا عن حقيقة الولاية فالذي نتحدث عنه هو أثر الولاية وليس الولاية اما الولاية فهي مما لا يخطر على بال بشر، وانما سوف تظهر حقيقتها في عوالمها؛ وعالمها الاول هو ظهور المهدي (عليه السلام) لان الولاية انما هي مظاهر تجلي اسماء الله الجمالية والجلالية.

كما قرأناه في قوله تعالى﴿ فلمّا تجلّىٰ ربّه لِلْجبلِ جعله دكًّا وخرّ موسىٰ صعِقًا ﴾([13])

فإنما تجلى الله سبحانه وتعالى للجبل، ولم يتحمل موسى تجلي الله.  

وعلينا ان ننتبه ان : تجلي الله تعالى قطعاً ليس بالذات المقدسة قطعاً؛ لان الذات المقدسة لا تتجلى؛ ومن المستحيل ان تتجلى الذات الإلاهية بخلقه ( سبحان من لا يحجبه شيءً عن ذاته ) فسبحان من (تنزه عن مجانسة مخلوقاته) (وجل عن ملائمة كيفياته ) فمن المستحيل ان يكون لله تعالى مجانسة مع المخلوقات، وانما هذه المخلوقات كلها هي فعل من افعاله فجميع المخلوقات انما هي افعال له تبارك وتعالى و الافعال من الاسماء ( اللهم اني اسألك بأسمائك التي وسعت كل شيء ) هذا الاسم يسع كل شيء، يعني تجلى في سعته كل شيء، والاسماء غير المسمى كما رواه الكليني في الكافي الشريف بسند صحيح عن هشام بن الحكم أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن أسماء الله واشتقاقها : الله مما هو مشتق ؟.

قال: فقال لي: يا هشام (الله) مشتق من (إله)، و(الاله) يقتضي (مألوهاً). والاسم غير المسمّى، فمن عبد الاسم دون المعنى فقد كفر ولم يعبد شيئا.

ومن عبد الاسم والمعنى فقد كفر وعبد اثنين.

ومن عبد المعنى دون الاسم فذاك التوحيد أفهمت يا هشام؟ )([14])  .

وجمع المخلوقات انما هي من اسماءه التي يتجلى بها تبارك وتعالى فإذا ظهر المهدي تجلى بأسمائه وقد وجدنا في رواية العامة وفي رواية الخاصة ان الله تجلى لموسى وكلمه من خلال شجرة الطور.

أما ما هو المقصود من هذه الشجرة. هل شجرة من الاشجار في الطور، والشجرة تتكلم؟ ام هي شجرة النبوة التي ابتدأت بمحمد وعلي و انتهت بالمهدي القائم (عجل الله فرجه الشريف) ( اللهم صل على محمد وال محمد شجرة النبوة وموضع الرسالة ) في رواياتنا ان الشجرة التي كلم الله جل جلاله موسى انما كانت شجرة النبوة بلسان علي (عليه السلام) لان علي هو ابو الإمامة و ابو الائمة وهو صنو رسول الله (صل الله عليه واله) وكلم الله محمد كما في رواية المناقب للخوارزمي السني بلسان علي بن ابي طالب فالذي كلم محمد بلسان علي، وهو الذي كلم موسى بلسان علي هذا التجلي الذي ظهر في ذلك الوجود انما كان في مظاهر التجلي للأنبياء اما التجلي لباقي المخلوقين انما يظهر بالمهدي (عليه السلام) فلذلك عندما يظهر المهدي انما يكلمهم بلسان الله تبارك وتعالى ( وليس معنى ذلك ان الله حل في المهدي استغفر الله فهذا كفر محض ، وانما المهدي (صلوات الله عليه) عبد الله و مندك في عبودية الله ، وما وصل الى تلك المقامات العالية إلا باندكاكه في العبودية لله عز وجل . وبما ان الباقين يمكنهم ان يتصوروا تجلي الله عز وجل لجبل من تراب وبقي الجبل جبلاً لا حول له ولا قوة وصار الجبل بعد ذلك باندكاكه ذراً لم يبن عن شيء، فكذلك الامام المهدي المنتظر الذي يظهر في اخر الزمان في يوم تجلي اسمائه تعالى فيندك (صلوات الله عليه) كاندكاك الجبل في مقام العبودية ولا يبقى من انيته شيء وانما يكون بقاؤه باله تعالى ولله تعالى).

 وكذلك اعوذ بالله تعالى من الحلول واعوذ بالله تعالى من التناسخ فهي عقيدة الكفار.

وعليه نفهم ان تجلي الولاية في زمان المهدي لا يمكن لعقولنا ان تدركه هذه.

والنتيجة من هذه المقدمات فإننا حينما تحدثنا عن تجلي الولاية في اخر الزمان وان هذا التجلي هو تجلي اسماء الجلال والجمال في حضرة المهدي (صلوات الله عليه) فإنما اردت ان ابين من كلامي هذا ان يكون مقدمة لمعرفة حقيقة كونية وهي ان كلما يقدم بالدنيا الزمن وتقرب الدنيا من اخر الزمان فلابد من ان تكون الدنيا قد وصلت الى النهاية.

اما كيف نعرف نهاية الدنيا، ونهاية اخر الزمان؟ فلابد ان نعرف نهاية الدنيا او نهاية اخر الزمان بشيء واحد، وهو: انه كلما تتجلى الولاية كلما نعرف ان صاحب الزمان قد قرب ظهوره، ولذلك فيتوجب على الجميع ان يكثروا من الحديث عن صاحب الزمان (عجل الله فرجه الشريف)، و الاكثار من الحديث عن صاحب الزمان انما هو من باب تجلي الولاية الاخرة التي هي تجلي الولاية في آخر الزمان و المهدي (عليه السلام) هو حقيقة تجلي الولاية، وانما يتم تجلي الولاية في آخر الزمان فقط ؛ وعليه فان الحديث عن الولاية، انما هو في باب سياق تهيئة الدنيا لظهور التجلي الاعظم للمولى (عجل الله فرجه الشريف) .

تركيبة الحركة الاجتماعية في الارض ان الذي تحدثنا عنه في السنوات الثلاث الماضية قد ظهر في هذه الايام خلال الحرب العالمية الثالثة الذي يقودها التحالف الدولي ضد داعش وحقيقة هذا التحالف الدولي.

اعطي رؤوس نقاط لا اشرح بالتفصيل.

اولاً: ان حركة داعش هذه التي ظهرت اخيراً في المنطقة والعالم وبما قامت به من فجائع واعمل وحشية نادرة الحدوث في التاريخ البشري تصنّف علمياً ضمن الأسماء الجلالية التي يتنزه الحق تعالى عنها فعند الله عزوجل اسماء جمال واسماء جلال فمن أسمائه الجلالية انه تعال لا يفعل القبيح ولا يظلم العباد وعتاد علماء الكلام ان يعدوها تحت عنوان (الصفات السلبية) مقابل الأسماء الجمالية التي هي صفات ثبوتية كالجليل والجميل والرزاق والمحيي والمميت والعالم والقادر وغيرها. ولا يتم التوحيد الخالص إلا بعد الاعتقاد بان جميع الأسماء له تعالى فهو الصادق جل جلاله ولذلك جاء في النصوص الشريفة وصفه تعالى بانه صادق الوعد كما في الدعاء المعروف بدعاء العشرات: (.. ولك الحمد صادق الوعد، وفي العهد، عزيز الجند، قائم المجد ..)([15]) .

وجاء في ادعية نوافل شهر رمضان (.. اللهم انت متعالي الشأن، عظيم الجبروت، شديد المحال، عظيم الكبرياء، قادر، قاهر، قريب الرحمة، صادق الوعد، وفي العهد..)([16]) .  

وفي عين المسألة فهو لا يكذب ولا يخلف الميعاد.

ووصف تعالى ذاته المقدسة بالعادل كما انه ليس بظلام للعبيد.  

﴿ أنّ اللّه ليْس بِظلّامٍ لِلْعبِيدِ ﴾([17])  

و يغضب الله عزوجل ،و غضب الله تعالى من اسماء جلاله ولذلك ورد في الاثر  المشهور على الألسن ولم نجده في كتب الحديث (الظالم سيفي انتقم به ثم انتقم منه) فان صحت هذه الرواية فالظالم يكون ظالم لغيره، و ظالم لنفسه ولكن في نفس الوقت ينتقم الله به من الظالمين وليس معنى هذا ان ما يفعله هؤلاء الظلمة هو ما يريده الله عزوجل  ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً فان الله عزوجل  قد نهى عنه؛ ولكن معناه: ان مثل هذا كالذي يذهب للبحر ويركب في هذه السفن التي تمشي في البحر ثم يحدث تغير بالجو، فتكون العاصفة التي تغرق السفينة ومن فيها من الركاب بعد ان يجعل ركاب السفينة في اشد محنة واشد حال فهل هذا معناه ان الله اعتدى على خلقه؟ اعوذ بالله تعالى من مثل هذه المقالة (يا من لا يعتدي على اهل مملكته ولا يأخذهم بألوان العذاب) ولكن﴿ فما كان اللّه لِيظْلِمهمْ ولٰكِنْ كانوا أنْفسهمْ يظْلِمون﴾([18]) والنتيجة ﴿ وما رميْت إِذْ رميْت ولٰكِنّ اللّه رمىٰ ﴾([19])  

ان هذه المسألة تدخل ضمن مسألة القضاء والقدر، وان ادراكها ليس من اختصاص هذه المحاضرة ولكن النتيجة من الاختصاص.

 

 



[1]) ) فقد روى الشيخ الصدوق في الخصال ص 108 ، باب الثلاثة ، تحت الرقم 75 بإسناده عن مثنى الحناط قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: أيام الله عز وجل ثلاثة: يوم يقوم القائم ، ويوم الكرة ، ويوم القيامة) ويوم الكرة هو نفسه يوم الرجعة.

ورواه الصدوق في كتابه (معاني الاخبار) ص 365-366 باب (معنى أيام الله) بإسناد اخر عن مثنى الحناط عن جعفر بن محمد، عن ابيه (أي الامام الباقر) عليه السلام.

ورواه الحسن الحلي تلميذ الشهيد الأول في كتابه (مختصر البصائر ص 89، الرقم 56).

بإسناده عن موسى الحناط (هكذا، الظاهر انه تحريف لمثنى) قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول ... ثم ذكر الحديث.

كما ذكره في ص 148، الرقم 113 بإسناده الى الصدوق ثم ذكر سند الصدوق في الخصال عن مثنى الحناط قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول .... ثم ذكر الحديث.

[2]) ) سورة آل عمران الآية 140 

[3]) ) سورة التكاثر الآية 8 .

[4]) ) سورة النمل : الآيات 15-19 .

[5]) ) سورة فصلت : الآية 53.

[6]) ) سورة  الزمر الآية 69.

[7]) )  دلائل الامامة للطبري (الشيعي) ص 454 ، رقم الحديث 433.

[8]) ) الارشاد للمفيد ج2 ، ص 381.

[9]) ) الغيبة للطوسي ص 468 ، الرقم 484.

[10])) تفسير الشيخ علي بن إبراهيم القمي ج2 ، ص 253.

[11])) منهاج الصالحين ، الآية العظمى الشيخ الوحيد الخراساني ج1 ، ص 498.

[12])) الكافي للكليني ، ج 1 ، ص 465 ، كتاب الحجة ، باب مولد الحسين بن علي عليهما السلام ،الحديث 6.

[13])) سورة الأعراف الاية143.

[14])) الكافي للكليني ،ج1،ص 87، كتاب التوحيد ، باب (المعبود) ، الحديث 2.

[15])) مصباح المتهجد ، الشيخ الطوسي ، ص87.

[16])) مصباح المتهجد ص 552.

[17])) سورة آل عمران الآية 182.

[18])) سورة التوبة الآية 70.

[19])) سورة الأنفال الآية 17.


نشرت بتاريخ: 01-10-2016 | مجموع القراءات: 884

[ رجوع | الصفحة الرئيسية | أعلى ]
التاريخ
مجلس الحسين عليه السلام في هيئة عاشوراء الليلة الثالثة 2016-11-01
مجلس الحسين عليه السلام في هيئة عاشوراء الليلة الثانية 2016-11-01
مجلس الحسين عليه السلام في هيئة عاشوراء الليلة الاولى 2016-10-30
مقتل فاطمة الزهراء (عليها السلام) 2016-09-14
مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عليه السلام) 2016-09-14
وحدة الخطاب (4) 2016-04-23
وحدة الخطاب (3) 2016-04-23
وحدة الخطاب (2) 2016-04-23
وحدة الخطاب (1) 2016-04-23
النجم الثاقب في أحوال الامام الحجة الغائب 2016-03-31
الحيرة في عصر الغيبة الصغرى 2016-03-29
الحيرة في عصر الغيبة الكبرى 2016-03-29
تاريخ أخر تحديث الموقع:- [ 2016-11-01 ]
Share

 

صفحة جديدة 1